الثلاثاء، 23 يوليو 2019

قراءة في معنى القدوة / الأسوة

القدوة / الأسوة

((لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرً)) ﴿21﴾ الأحزاب

فَتَشَبَّهُوا إِنْ لَمْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ          إِنَّ التَّشَبُّهَ بِالْكِرَامِ فَـلاَحُ

تعريف القدوة :
في اللغـة :
جاء في المعجم الوسيط ( القدوة : يقال فلان قدوة إذا كان يقتدى بـه، ولي بك قدوة. ومنها قوله ( اقتدى به، أي فعل مثل فعله تشبهاً به ). وفي لسان العرب ( القدوة : من التقدم، يقال فلان لا يقاديه أحد ولا يباريه أحد ولا يجاريه أحد وذلك إذا تميز في الخلال كلها ).
أما في الاصطلاح :
( فالاقتداء هو طلب موافقة الغير في فعله ).
والقدوة هو الأسوة والعكس، فالأسوة كما يقول القرطبي رحمه الله (هو ما يتأسى به أي يعتزي به فيقتدي به في جميع أحواله ).
ومن خلال ما جاء في كتب اللغة وبعض كتب التفسير عن القدوة يتضح لنا أن القدوة لا تتحقق بصفة واحدة، ولكن يلمح ابن منظور في لسان العرب إلى شمول القدوة للصفات كلها، فلا يتحلى بخلة دون خله ومن هنا وجب على القائد المسلم الذي نريده أن يكون قدوة صالحة أن يتمثل شمائل النبي صلى الله عليه وسلم ويطبق كل ما أثر عنه في سلوكه وأخلاقه ويتأسى به في كل أفعاله.
كذلك اتضح لنا من التعريفات ضرورة أن تكون الخلال التي يتخلق بها أصلية لا مصطنعة، وكلما كانت الصفات والخلال الحسنة فطرية ومترسخة في الإنسان كان تأثيرها في الغير أكبر، وكان داعي التخلق بها والاقتداء والمحاكاة منهم أشد.
وإذا قلنا إن الصفات يجب أن تكون خلقية فطرية أو مغروسة بالتمرن والتخلق وطيبة تجذب الآخرين وتدعوهم للمحاكاة فإنه ينبغي أن يكون القدوة أيضاً قدر الإمكان حسن الهيئة غير ذميمها حتى تنجذب إليه الأعين وأن يكون لين الجانب غير فظ، يقول الحق تبارك وتعالى في شأن قدوة كل قدوة محمد صلى الله عليه وسلم ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴿159﴾ آل عمران.
وأجمل ما تكون الخلال التي يتخلق بها القدوة إذا كانت مستوية مستقيمة على دينه وخاضعة له أو نابعة منه. ثم إن من الأفضل أن يكون القدوة ذا طريقة واضحة حتى يسهل الاقتداء به على ضوئها دون غموض.

إن أصول القدوة الصالحة التي يكون بها القائد قدوة طيبة لغيره ترجع إلى أصلين كبيرين هامين هما : حسن الخلق، وموافقة العمل للقول. فإذا تحقق هذان الأصلان حسنت سيرة القائد وأصبحت سيرته الطيبة دعوة صامتة إلى كل خلق إسلامي جميل وإن فاته هذان الأصلان ساءت سيرته وصارت قيادته مثلاً سيئاً يُنَفّر الطيبين من حوله.
فأما الأصل الأول وهو حسن الخلق فعلى القائد أن يتمثل كل الأخلاق الإسلامية الحميدة مثل الصدق، الأمانة، الصبر، الرحمة، التواضع، المخالطة التي تتخللها المودة والمحبة، العطف، الإيثار والرفق وما إلى ذلك.
وأما الأصل الثاني هو موافقة العمل للقول فإن على القائد أيضاً أن يحذر كل الحذر أن تخالف أفعاله أقواله فإن النفس مجبولة على عدم الانتفاع بكلام من لا يعمل بعلمه ولا يوافق فعله قوله ولهذا حذرنا الله عن ذلك بقوله

(
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ) (2) الصف.

إن فكرة وجود القدوة تقوم على أساس منطوقة تأثير الطباع في الطباع. ( وحاجة الناس إلى القدوة النابعة من غريزة تكمن في نفوس البشر أجمع هي التقليد، وهي رغبة ملحة تدفع الطفل والضعيف والمرؤوس إلى محاكاة سلوك الرجل، والقوي، والرئيس، كما تدفع غريزة الانقياد في القطيع جميع أفراده اتباع قائده واقتفاء أثره ). وعلى هذا الأساس يتضح لنا أن عملية الاقتداء ليست حالة طارئة قد تحصل وقد لا تحصل ولكنها كما تقدم غريزة مغروسة في نفس كل إنسان تظهر متى وجد واحد من عناصرها الثلاثة وهي :
(1) الرغبة في المحاكاة والاقتداء :
فالطفل أو الفتى مدفوع برغبة خفية لا يشعر بها نحو محاكاة من يعجب به في لهجة الحديث، أو أسلوب الحركة، أو المعاملة، وهذا التقليد قد يكون في حسنات السلوك وقد يكون في سيئاتـه، وقد تلاحظ في بعض المرؤسين مع قائدهم شيء مـن هـذا فتجـد المقتدي ( المقلد ) يقلد رئيسه وقائده في بعض الحركات حتى في طريقة ونبرة الصوت وحركة الشفائف.
(2) الاستعداد للتقليد :
لكل مرحلة من العمر استعدادات وطاقات محددة وعلى هذا نجد الإسلام لم يأمر الأطفال بالصلاة قبل سبع سنوات، ولا يمنع ذلك من ترك الطفل يقلد أبويه بحركات الصلاة قبل أن يبلغ السابعة ومن الظروف التي تهيب بالناس جميعاً استعداداً لتقليد الأزمات والكوارث والآلام الاجتماعية التي يتحول معها القائد ليكون أباً وبطلاً يحاكيه كل مرؤسيه في كل سلوك من حياته ومن تلك الأسباب أيضاً الشعور بالضعف أمام القوة فالمغلوب يقلد الغالب. كما يقول ابن خلدون في مقدمته ( المغلوب مولع بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسبب في ذلك أن النفس تعتقد الكمال فيمن غلبها وانقادت إليه ).
(3) الهدف :
إن لكل تقليد هدفاً وقد يكون هذا الهدف معروفاً لدى المقلد وقد لا يكون معروفاً، فعدم وضوح الهدف أو معرفته تكون لمجرد المحاكاة والتقليد فقط، وأما وضوحه فقد يرتقي معه وعي التقليد لدى المقلد حتى يصبح عملية فكرية يمزج فيها بين الوعي والانتماء والمحاكاة والاعتزاز وعندها يرتقي بهذا التقليد إلى مفهوم راق في الإسلام، يطلق عليه ( الإتباع ) وأرقى هذا الإتباع ما كان على بصيرة.
فإذا ما أدرك القائد هذا وعرفه كان لزاماً عليه أن يراعي وجود هذه الغريزة لدى مرؤسيه، فيجتهد بعد ذلك أن لا يعمل ولا يتصرف إلا على وحي مما كان عليه قدوته وقدوة المسلمين بعامة نبينا وقائدنا محمد صلى الله عليه وسلم فيكون القائد قد استثمر هذه الفطرة عند مرؤسيه فيما يعود على الجميع بالنفع والفائدة.

ليست هناك تعليقات: